الباب الأول
في ذكر الحماقة ومعناهاقال ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت، فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب. وقال أبو بكر المكارم: إنما سميت البقلة الحمقاء لأنها تنبت في سبيل الماء وطريق الإبل. قال: ابن الأعرابي: وبها سمي الرجل أحمق لأنه لا يميز كلامه من رعونته.
الفرق بين الحماقة والجنون
فصل وقد ذكرنا ما يتعلق باللغة في هذا الاسم ولا يظهر المقصود إلا بكشف المعنى فنقول: معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته في الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة، والمجنون أصل إشارته فاسد، فهو يختار ما لا يختار، ويبين هذا ما سنذكره عن بعض المغفلين، فمن ذلك: أن طائراً طار من أمير، فأمر أن يغلق باب المدينة! فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر.
الباب الثاني
أن الحمق غريزةعن إبي إسحاق قال: إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدق، وإذ بلغك أن فقيراً استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حياً مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تصدق.
القاضي أبو يوسف يتكلم عن الحماقةعن أبي يوسف القاضي قال: ثلاث، صدق باثنتين ولا تصدق بواحدة، إن قيل لك إن رجلاً كان معك فتوارى خلف حائط فمات فصدق، وإن قيل لك إن رجلاً فقيراً خرج إلى بلد فاستفاد مالاً فصدق، وإن قيل لك إن أحمق خرج إلى بلد فاستفاد عقلاً فلا تصدق.عن الأوزاعي إنه يقول: بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم عليه السلام: يا روح الله إنك تحيي الموتى? قال: نعم بإذن الله. قيل وتبرىء الأكمة? قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق? قال: هذا الذي أعياني، قال جعفر بن محمد: الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل، كلما ازداد رياً زاد مرارة.
الحمق شر من الرعونةقال المأمون: تدرون ما جرى بيني وبين أمير المؤمنين هرون الرشيد? كان لي إليه ذنب فدخلت مسلماً عليه، فقال: أغرب يا أحمق. فانصرفت مغضباً ولم أدخل إليه أياماًن فكتب إلي رقعة يقول: الخفيف:
ليت شعري وقد تمادى بك الهج
ر أمنك التفريط أم كان منـي
إن تكن خنتنا فعنك عفـا الـل
ه وإن كنت خنتكم فاعف عنيفسرت إليه، فقال: إن كان الذنب لنا فقد استغفرناك، وإن كان لك فقد غفرناه. فقلت له: قلت له يا أحمق ولو قلت لي يا أرعن كان أسهل علي. فقال: ما الفرق بينهما? قلت له: الرعونة تتولد عن النساء فتلحق الرجل من طول صحبتهن، فإذا فارقهن، وصاحب فحول الرجال زالت عنه، وأما الحمق فإنه غريزة. وأنشد بعض الحكماء: الخفيف:
وعلاج الأبدان أيسر خطبـاً
حين تعتل من علاج العقول
الباب الثالث
في ذكر اختلاف الناس في الحمق
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 3
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 4
الحمق فساد في العقلوقد ذكرنا أن الحمق فساد في العقل أو في الذهن، وما كان موضوعاً في أصل الجوهر، فهو غريزة لا ينفعها التأديب، وإنما ينتفع بالرياضة والتأديب من أصل جوهره سليم، فتدفع الرياضة العوارض المفسدة. وبعد، فإن الناس يتفاوتون في العقل وجوهره ومقدار ما أعطوا منه، فلهذا يتفاوت الحمق. قيل لإبراهيم النظام: ما حد الحمق? فقال: سألتني عما ليس له حد. وتلا عمر هذه الآية: "ما غربك بربك الكريم" قال: الحمق يا رب.
كل إنسان وفيه حمقهوقال علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش. وقال أبو الدرداء: كلنا أحمق في ذات الله، وقال وهب بن منبه: خلق الله آدم أحمق، ولولا ذلك ما هناه العيش. وعن مطرف قال: لو حلفت، لرجوت أن أبر أنه ليس أحد من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين الله عز وجل، وكان يقول: ما أحد من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه عز وجل، غير أن بعض الحمق أهون من بعض، وعنه قال: عقول الناس على قدر زمانهم، وكان يقول: هم الناس والنسناس، وأرى أناساً غمسوا في ماء الناس. وقال سفيان الثوري: خلق الإنسان أحمق لكي ينتفع بالعيش. وأنشد بعضهم: الطويل:
لعمرك ما شيءٌ يفوتك نيلـه
بغبنٍ ولكن في العقول التغابن
الباب الرابع
في ذكر أسماء الأحمقالأحمق، الرقيع، المائق، الأزبق، الهجهاجة، الهلباجة، الخطل، الخرف، الملغ، الماج، المسلوس، المأفون، المأفوك، الأعفك، الفقاقة، الهجأة، الألق، الخوعم، الألفت، الرطيء، الباحر، الهجرع، المجع، الأنوك، الهبنك، الأهوج، الهبنق، الأخرق، الداعك، الهداك، الهبنقع، المدله، الذهول، الجعبس، الأوره، الهوف، المعضل، الفدم، الهتور، عياياء، طباقاء. فإذا كان يتجه لشيء في أسماء كثيرة وقريب هذه الأسماء على أحمق، وقيل: لو لم يكن من فضيلة الأحمق إلا كثرة أسمائه لكفى. قال ابن الأعرابي: القيع هو الذي يحتاج أن يرقع من حمقه.
الفرق بين الأحمق والمائقوسئل بعض الأعراب، ما الفرق بين الأحمق والمائق? فقال: الأحمق مثل المائح على رأس البئر، والمائق هو مثل المائح الذي هو أسفل البئر، فبينهما من الجودة في الحماقة ما بين هذين. والعرب تقول: أحمق ما يتوجه إلى ما يحسن أن يأتي الغائط. والأخرق هو الذي يخرق الأشياء ولا يحسن لها مأتى.
أسماء النساء ذوات الحمقومن أسماء النساء ذوات الحمق: الورهاء، الخرقاء، الدفنس، الخذعل، الهوجاء، القرئع، الداعكة، الرطيئة.
الباب الخامس
في ذكر صفات الأحمقصفات الأحمق تقسم إلى قمسين: أحدهما: من حيث الصورة، والثاني: من حيث الخصال والأفعال.
صفات الأحمق من حيث الصورةذكر القسم الأول: قال الحكماء: إذا كان الرأس صغيراً رديء الشكل دل على رداءة في هيئة الدماغ. قال جالينوس: لا يخلو صغر الرأس البتة من دلالة على رداءة هيئة الدماغ وإذا قصرت الرقبة دلت على ضعف الدماغ وقلته، ومن كانت بنيته غير متناسبة كان رديئاً حتى في همته وعقله مثل الرجل العظيم البطل، القصير الأصابع، المستدير الوجه، العظيم القامة، الصغير الهامة، اللحيم الجبهة والوجه والعنق والرجلين، فكأنما وجهه نصف دائرة.
صفة الرأسكذلك إذا كان مستدير الرأس واللحية، ولكن وجهه شديد الغلظ وفي عينيه بلادة وحركة فهو أيضاً من أبعد الناس على الخير، فإن جحظتا فهو وقح مهذار.
صفة العينفإن كانت العين ذاهبة في طول البدن فصاحبها مكار لص، وإذا كانت العين عظيمة مرتعدة فصاحبها كسلان بطال أحمق محب للنساء. والعين الزرقاء التي في زرقتها صفرة كأنها زعفران، تدل على رداءة الأخلاق جداً، والعين المشبهة لأعين البقر تدل على الحمق، وإذا كانت العين كأنها ناتئة وسائر الجفن لاطىء فصاحبها أحمق، وإذا كان الجفن من العين منكسراً أو متلوناً من غير علة، فصاحبها كذاب مكار أحمق، والشعر على الكتفين والعنق يدل على الحمق والجرأة؛ وعلى الصدر والبطن يدل على قلة الفطنة.
صفة العنق والشفة
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 4
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 5
ومن طالت عنقه ورقت، فهو صياح أحمق جبان، ومن كان أنفه غليظاً ممتلئاً فهو قليل الفهم، ومن كان غليظ الشفة، فهو أحمق غليظ الطبع. ومن كان شديد استدارة الوجه فهو جاهل، ومع عظمت أذنه فهو جاهل طويل العمر. وحسن الصوت دليل على الحمق وقلة الفطنة، واللحم الكثير الصلب دليل على غلظ الحس والفهم، والغباوة والجهل في الطول أكثر.
عظم الهامةوقال الأحنف بن قيس: إذا رأيت الرجل عظيم الهامة طويل اللحية فاحكم عليه بالرقاعة ولو كان أمية بن عبد شمس.وقال معاوية لرجل عتب عليه: كفانا في الشهادة عليك في حماقتك وسخافة عقلك، ما نراه من طول لحيتك. وقال عبد الملك بن مروان: من طالت لحيته فهو كوسجٌ في عقله. وقال غيره: من قصرت قامته، وصغرت هامته، وطالت لحيته، فحقيقاً على المسلمين أن يعزوه في عقله. وقال أصحاب الفراسة: إذا كان الرجل طويل القامة واللحية فاحكم عليه بالحمق، وإذا انضاف إلى ذلك أن يكون رأسه صغيراً فلا تشك فيه.وقال بعض الحكماء: موضع العقل الدماغ، وطريق الروح الأنف، وموضع الرعونة طويل اللحية. وعن سعد بن منصور أنه قال: قلت لابن إدريس: أرأيت سلام بن أبي حفصة? قال: نعم، رأيته طويل اللحية وكان أحمق.وعن ابن سيرين أنه قال: إذا رأيت الرجل طويل اللحية لم، فاعلم ذلك في عقله. قال زياد ابن أبيه: ما زادت لحية رجل على قبضته، إلا كان ما زاد فيها نقصاً من عقله.قال بعض الشعراء: متقارب:
إذا عرضت للفتى لـحـيةٌ
وطالت فصارت إلى سرته
فنقصان عقل الفتى عندنـا
بمقدار ما زاد في لحيتـه
كلام الأحمق أدل شيء على حمقهومن صفات الأحمق صغر الأذن، ويعرف الأحمق بمشيه وتردده، وكلام الأحمق أقوى الأدلة على حمقه.أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد قال: بلغني أن المهدي لما فرغ من عيسا باذ ركب في جماعة يسيرة لينظر، فدخل مفاجأة فأخر كل من كان هناك من الناس، وبقي رجلان خفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وهو دهش لا يعقل، فقال: من أنت? قال: أنا أنا أنا، قال: ويلك من أنت? قال: لا أدري، قال: ألك حاجة? قال: لا لا، قال: أخرجوه أخرج الله نفسه. فدفع في قفاه، فلما خرج قال لغلامه: اتبعه من حيث لا يعلم فسل عن أمره ومهنته، فإني أخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه، ثم رأى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلب قوي ولسان جريء فقال: من أنت? فقال: رجل من أبناء رجال دعوتك، قال: فما جاء بك إلى هنا? قال: جئت لأنظر هذا البناء الحسن. وأتمتع بالمنظر، وأكثر من الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة؛ قال: ألك حاجة? قال: نعم خطبت ابنة عم لي فردني أبوها، وقال: لا مال لك، والناس يرغبون في المال وأنا بها مشغوف، قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم، قال: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، قد وصلت فأجزلت الصلة ومننت فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها، ومتعك بما أنعم به وأمتع رعيتك بك. فأمر أن يعجل صلته ووجه بعض خاصته معه وقال: سل عن مهنته فإني أخاله كاتباً. فجاء الرسول الأول فقال: وجدته حائكاً وأخبر الآخر قال: وجدته كاتباً. فقال المهدي: لم يخف علي مخاطبة الحائط والكاتب.
يعرف الأحمق من كنيتهوقد روي عن معاوية أنه قال لأصحابه: بأي شيء تعرفون الأحمق من غير مجاورة? قال بعضهم: من قبل مشيته ونظره وتردده، وقال بعضهم: لا بل يعرف حمق الرجل من كنيته ونقش خاتمه، فبينما هو يخوضون في حديث الحمقى إذ صاح رجل لرجل: يا أبا الياقوت؛ فدعا به معاوية، فإذا رجل عليه بزة، فحاوره ساعة ثم قال: ما الذي على فص خاتمك? فقال: "ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين"، فقالوا يا أمير المؤمنين: الأمر كما قلت. وعن الشافعي أنه قال: إذا رأيت الرجل خاتمه كبير وفصه صغير فذاك رجل عاقل، وإذا رأيت فضته قليلة وفصه كبير فذاك عاجز، وإذا رأيت الكاتب دواته على يساره فليس بكاتب، وإذا كانت على يمينه وقلمه على أذنه فذاك كاتب.
صفات الأحمق الخلقيةذكر القسم الثاني: وهو المتعلق بالخصال والأفعال. من ذلك ترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه ولا يخبره، ومنها، أنه لا مودة له.
العجب وكثرة الكلام
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 5
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 6
ومنها، العجب وكثرة الكلام، قال أبو الدرداء: لا يغرنكم ظرف الرجل وفصاحته وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتم فيه ثلاث خصال، العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وإن يجد على الناس فيما يأتي مثله، فإن ذلك من علامة الجاهل. وقال عمر بن عبد العزيز: ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلتين، سرعة الجواب، وكثرة الإلتفاتات، وتكلم رجل عند معاوية فأكثر الكلام، فضجر معاوية فقال: اسكت. فقال: وهل تكلمت?
الخلو من العم أصلاًومن علامات الأحمق، خلوه من العلم أصلاً، فإن العقل لا بد أن يحرك إلى اكتساب شيء. فقال: وهل تكلمت?
الخلو من العم أصلاًومن علامات الأحمق، خلوه من العلم أصلاً، فإن العقل لابد أن يحرك إلى اكتساب شيء من العلم وإن قل، فإذا غلب السن ولم يحصل شيئاً من العلم دل على الحمق. قال الأعمش: إذا رأيت الشيخ ليس عنده شيءٌ من العلم أحببت أن أصفعه.كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب صديقاً للوليد يأتيه ويؤانسه، فجلسا يوماً يلعبان بالشطرنج، إذ أتاه الآذن فقال: أصلح الله الأمير، رجل من أخوالك من أشراف ثقيف قدم غازياً، فأحب السلام عليك? فقال: دعه، فقال عبد الله: وما عليك، ائذن لي فنظل نحن على لعبنا، فادع بمنديل يوضع عليها ونسلم على الرجل ونعود، ففعل ثم قال: ائذن له، فإذا هو رجل له هيبة وبين عينيه أثر السجود، وهو معتم قد رجل لحيته، فسلم ثم قال: أصلح الله الأمير، قدمت غازياً فكرهت أن أجوزك حتى أقضي حقك، فقال: حياك الله وبارك عليك، ثم سكت عنه، فلما أنس أقبل عليه الوليد فقال: يا خال هل جمعت القرآن? قال: لا، كانت شغلتنا عنه شواغل، قال: أحفظت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأحاديثه شيئاً? قال: لا، كانت شغلتنا عن ذلك شواغل. قال: فأحاديث العرب وأشعارها? قال: لا، قال: فأحاديث أهل الحجاز ومضاحيكها? قال: لا، قال: فأحاديث العجم وآدابها? قال: ذاك شيء ما طلبته، فرفع الوليد المنديل وقال: شاهك، فقال عبد الله بن معاوية: سبحان الله، قال: لا، والله ما معنا في البيت أحد، فلما رأى ذلك الرجل خرج، وأقبلوا على لعبهم.
يفرح الأحمق بالمدح الكاذبومن خصال الأحمق فرحه بالكذب من مدحه، وتأثره بتعظيمه، وإن كان غير مستحق لذلك. عن الحسن أنه يقول: خفق النعال خلف الأحمق قلما يلبث. وقال زيد بن خالد: ليس أحد أحمق من غني قد أمن الفقر وفقير قد آيس من الغنى. وقال الأصمعي: إذا أردت أن تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه بحديث لا أصل له، فإن رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل.
بعض الحكماء يصف أخلاقه الحمقوقال بعض الحكماء: من أخلاق الحمق، العجلة، والخفة، والجفاء، والغرور، والفجور، والسفه، والجهل والتواني، والخيانة، والظلم، والضياع، والتفريط، والغفلة، والسرور، والخيلاء، والفجر، والمكر، إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، وإن فرح أشر، وإن قال فحش، وإن سئل بخل، وإن سأل ألح، وإن قال لم يحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نهق، وإن بكى خار.وقال بعض الحكماء: يعرف الأحمق بست خصال: الغضب من غير شيء، والإعطاء في غير حق، والكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر، وأن لا يفرق بين عدوه وصديقه، ويتكلم ما يخطر على قلبه، ويتوهم أنه أعقل الناس.
علامات الحمقوقال أبو حاتم بن حيان الحافظ: علامة الحمق سرعة الجواب، وترك التثبت، والإفراط في الضحك، وكثرة الإلتفات، والوقيعة في الأخيار، والإختلاط بالأشرار، والإحمق إن أعرضت عنه أعتم، وإن أقبلت عليه اغتر، وإن حلمت عنه جهل عليك، وإن جهلت عليه حلم عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإذا ظلمته أنصفت منه، ويظلمك إذا أنصفته، فمن ابتلى بصحبة الأحمق فليكثر من حمد الله على ما وهب له مما حرمه ذاك.قال محمد الشامي: السريع:
لنـا جـلـيسٌ تـاركٌ لـلأدب
جليسه من قوله فـي تـعـب
يغضب جهلاً عند حال الرضى
ومنه يرضى عند حال الغضب
الباب السادس
في التحذير من صحبة الأحمق
لا تؤاخ الأحمق
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 6
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 7
قال عليه السلام: "لا تؤاخي الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطىء، وربما يريد أن ينفعك فيضرك، وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته". وقال ابن أبي زياد: قال لي أبي: يا بني الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى، فإني ما جالست أحمق فقمت، إلا وجدت النقص في عقلي.
لا تغضب على الحمقىعن عبد الله بن حبيق قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام "لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك". وعن الحسن قال: هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل. وعن سلمان بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض، حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبر من فاجر.
الناس أربعة أصنافوكذلك روينا عن الأحنف بن قيس أنه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري، فذاك طالب فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه. وقال أيضاً: الناس أربعة، فكلم ثلاثة، ولا تكلم واحداً، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فكلمه، ورجل يعلم ويرى أنه لا يعلم فكلمه، ورجل لا يعلم ويرى أنه لا يعلم فكلمه، ورجل لا يعلم ويرى أنه يعلم فلا تكلمه. قال جعفر بن محمد: الرجال أربعة: رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فتعلموا منه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فأنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه.
الناس ثلاثة أصنافوقد روينا عن أبي يوسف القاضي أنه قال: الناس ثلاثة: مجنون، ونصف مجنون، وعاقل، فأما المجنون ونصف فأنت معهما في راحة، وأما العاقل فقد كفيت مؤنته. عن الأعمش أنه قال: معاتبة الأحمق نفخ في بليسة.
كل صديق لا عقل له عدوعن عبد الله بن داود الحربي أنه قال: كل صديق ليس له عقل فهو أشد عليك، من عدوك. عن بشر بن الحارث أنه قال: النظر إلى الأحمق سخنة عين. وسمعته يقول: يأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى. وعنه أنه قال: الأحمق سخنة عين غاب أو حضر.
لا تجالس الأحمقعن شعبة أنه قال: عقولنا قليلة، فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلاً منا ذهب ذلك القليل، فإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلاً منه فأمقته.قال بعض الحكماء: مؤنة العاقل على نفسه، ومؤنة الأحمق على الناس، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة.
كيف يعامل الأحمققال حكيم آخر: ليس كل أحد يحسن يعامل الأحمق وأنا أحسن أعامله، قيل له كيف? قال: أبخسه حتى يطلب الحق بعينه، إذ متى أعطيته حقه طلب ما هو أكثر منه.
وأنشدوا المديد
إتق الأحمق أن تصـحـبـه
إنما الأحمق كالثوب الخلـق
كلما رقعت منـه جـانـبـاً
خرقته الريح وهناً فانخـرق
أو كصدعٍ في زجاجٍ فاحـشٍ
هل ترى صدع زجاج يرتتق
كحمار السوق إن أقضمتـه
رمح الناس وإن جاع نهـق
أو غلام السوء إن أسغبـتـه
سرق الناس وإن يشبع فسق
وإذا عاتبتـه كـي يرعـوي
أفسد المجلس منه بالخـرق
الباب السابع
في ضرب العرب المثل بمن عرف حمقهالعرب تضرب للأحمق، تارة بمن قد عرف حمقه من الناس، وتارة بما ينسب إلى سوء التدبير من البهائم والطير، وتارة بما لا يقع منه فعل، ولكن لو تصور له فعل كان ما ظهر منه حمقاً.
حمقى ضرب بهم المثلفأما ضربهم المثل بمن قد عرف حمقه فقال أبو هلال العسكري: تقول العرب: أحمق من هبنقة وستأتي أخباره، وأحمق من حذنة، قيل هو رجل بعينه، وقيل هو الصغير الأذن، الخفيف الرأس، القليل الدماغ، وكذلك يكون الأحمق. وقيل: حذنة امرأة كانت تمتخط بكوعها. وتقول العرب: أحمق من أبي غبشان وأحمق من جحا وأحمق من عجل بن لجيم وأحمق من حجينة وهو رجل من بني الصداء وأحمق من بيهس ومن مالك بن زيد مناة ومن عدي بن حباب وأحمق من الممهورة إحدى خدمتيها.
حيوانات ضرب المثل بحمقها
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 7
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 8
وأما ذكرهم للبهائم فيقولون: أحمق من الضبع وأحمق من أم عامر، وأحمق من نعجة على حوض لأنها إذا وردت الماء أكبت عليه ولا تنثني وأحمق من ذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع.
طيور ضرب المثل بحمقهاوأما ذكرهم الطير، فيقولون: أحمق م حمامة لأنها لا تصلح عشها وربما سقط بيضها فانكسر، وربما باضت على الأوتاد فيقع البيض، وأحمق من نعامة لأنها إذا مرت ببيض غيرها حضنته وتركت بيضها، وأحمق من رخمة، وأحمق من عقعق لأنه يضيع بيضه وفراخه، وأحمق من كروان لأنه إذا رأى أناساً سقط على الطريق فيأخذونه.ومن الموصوف بالحمق من الحيوان: الحبارى، والنعجة، والبعير، والطاووس، والزرافة.
نبتة ضرب المثل بحمقهاوأما ضربهم المثل بمن لا فعل له كقولهم: أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء لأنها تنبت في مجاري السيل.
الباب الثامن
في ذكر أخبار من ضرب المثل بحمقه وتغفيلههؤلاء ينقسمون إلى رجال ونساء.
من أخبار هبنقة الأحمقفمنهم هبنقة واسمه يزيد بن ثروان ويقال: ابن مروان أحد بني قيس بن ثعلبة، ومن حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به. فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا فمن أنا? وأضل بعيراً فجعل ينادي من وجده فهو له، فقيل له: فلم تنشده? قال: فأين حلاوة الوجدان? وفي رواية: من وجده فله عشرة، فقيل له: لم فعلت هذا? قال: للوجدان حلاوة في القلب.واختصمت طفاوة وبنو راسب في رجل ادعى كل فريق أنه في عرافتهم، فقال هبنقة: حكمه أن يلقى في الماء فإن طفا فهو من طفاوة وإن رسب فهو من راسب. فقال الرجل: إن كان الحكم هذا فقد زهدت في الديوان. وكان إذا رعى غنماً جعل يختار المراعي للسمان وينحي المهازيل، ويقول: لا أصلح ما أفسده الله.
أبو غبشان الأحمقومنهم أبو غبشان وهو من خزاعة كان يلي الكعبة، فاجتمع مع قصي بن كلاب بالطائف على الشرب، فلما سكر اشترى منه قصي ولاية البيت بزق خمر، وأخذ منه مفاتيحه وسار بها إلى مكة، وقال: يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، ودها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم. وأفاق أبو غبشان فندم فقيل: أندم من أبي غبشان وأخسر من أبي غبشان، وأحمق من أبي غبشان، قال بعضهم: البسيط:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت
بزق خمرٍ فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالخمر وانقرضت
عن المقام وضل البيت والناديثم جاءت خزاعة فغالبوا قصياً فغلبهم.
عبد الله بن بيدرة الأحمقومنهم شيخ مهو وهي قبيلة من عبد القيس واسمه عبد الله بن بيدرة وكانت إياد تعير بالفسو، فقام رجل منهم بعكاظ ومعه بردا حبرة فنادى: ألا إنني من إياد فمن يشتري مني عار الفسو ببردي هذين. فقال عبد الله بن بيدرة فقال: أنا. واتزر بأحدهما وارتدى الآخر، وأشهد الإيادي عليه أهل القبائل وانصرف عبد الله إلى قومه فقال: جئتكم بعار الأبد، فلزم العار بذلك عبد القيس.
عجل بن لجيم الأحمقومنهم عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. من حمقه أنه قيل له: ما سميت فرسك? فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور.قال العنزي: الطويل:
رمتني بـنـو عـجـلٍ بـداء أبـيهـم
وأي امرىءٍ في الناس أحمق من عجل
ألبـس أبـوهـم عـار عـين جـواده
فصارت به الأمثال تضرب بالجـهـل
حمزة بن بيض الأحمقومنهم حمزة بن بيض. عن أبي طالب عمر بن إبراهيم أنه قال: دعا حمزة بن بيض حجاماً وكان الحجام ثقيلاً كثير الكلام، فلما أرهف المشاريط قال له: الساعة توجعني. قال: لا. قال: فانصرف اليوم. قال: لا تفعل فإنك محتاج إلى إخراج الدم وذلك بين في وجهك وهي سنة نبوية، قال: انصرف وعد إلي غداً، قال: لست تدري ما يحدث إلى غد والمشاريط حادة وإنما هي لحظة. قال: إن كان كما تقول فاعطني فردة بيضة من خصيتك تكون في يدي رأينة إن أوجعتني أوجعتك. فقام الحجام وقال: أرى أن تدع الحجامة في هذا العام، وانصرف.
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 8
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 9
عن محمد بن العلاء الكاتب أنه قال: قال حمزة بن بيض لغلام له: أي يوم صلينا الجمعة في الرصافة? ففكر الغلام ساعة ثم قال: يوم الثلاثاء. وقيل لحمزة بن بيض: كم تشرب من النبيذ? قال: أكثر من رطلين شيء.
أبو أسيد الأحمقومنهم أبو أسيد. عن محمد بن رجاء قال: قال أبو أسيد وحدث بحديث: كان ذلك في خلافة المهدي قبل موت المنصور. وقال: مر على أبي أسيد بعيران فقام قوم كانوا حوله: ما أفرههما? فقال أبو أسيد: أحدهما أفره من الآخر، قالوا: أيهما أفره? قال: القدامي أفره من الأول. وعزى أبا أسيد رجل عن مصيبته فقال له: رزقنا الله مكافأتك. وعن محمد بن عبد المطلب قال: قال أبو أسيد ونظر إلى رجل نائم: قم، فكم تنام كأنك بعير ناد وقيل لأبي أسيد: حدثنا عن ابن عمر، فقال: كان يحف شاربه حتى يبدو بياض إبطيه.
جحا الأحمقومنهم جحا ويكنى أبا الغصن، وقد روي عنه ما يدل على فطنة وذكاء، إلا أن الغالب عليه التغفيل، وقد قيل: إن بعض من كان يعاديه وضع له حكايات والله أعلم.عن مكي بن إبراهيم أنه يقول: رأيت جحا رجلاً كيساً ظريفاً وهذا الذي يقال عنه مكذوب عليه، وكان له جيران مخنثون يمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه.
من حماقات جحاوعن أبي بكر الكلبي أنه قال: خرجت من البصرة فلما قدمت الكوفة، إذا أنا بشيخ جالس في الشمس، فقلت: يا شيخ أين منزل الحكم? فقال لي: وراءك، فرجعت إلى خلفي، فقال: يا سبحان الله! أقول لك وراءك وترجل إلى خلفك. أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً" قال: بين أيديهم، فقلت: أبو من? قال: أبو الغصن، فقلت: الإسم? قال: جحا. وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذه الصفة. وعن عباد بن صهيب قال: قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن خالد، فمررت بشيخ جالس فقلت: يا شيخ، كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن خالد? فقال: إلى ورائك، فقلت: أرجع? فقال: أقول لك وراءك وترجع! فقلت: أليس ورائي خلفي? قال: لا. قلت: بالله من أنت يا شيخ? قال: أنا جحا، قال المصنف: وجمهور ما يروى عن جحا، تغفيل نذكره كما سمعناه.عن أبي الحسن، قال رجل لجحا: سمعت من داركم صراخاً، قال: سقط قميصي من فوق، قال: وإذا سقط من فوق، قال: يا أحمق لو كنت فيه أليس كنت قد وقعت معه? وحكى أبو منصور الثعالبي في كتاب غرر النوادر قال: تأذى أبو الغصن جحا بالريح مرة فقال يخاطبها: ليس يعرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك.وخرج يوماً من الحمام في يوم بارد، فضربته الريح فمس خصيتيه، فإذا إحدى بيضتيه قد تقلصت، فرجع إلى الحمام وجعل يفتش الناس، فقالوا: ما لك? فقال: قد سرقت إحدى بيضتي، ثم إنه دفىء وحمى، فرجعت البيضة، فلما وجدها سجد شكر لله، قال: كل شيء لا تأخذه اليد لا يفقد.ومات جار له، فأرسل إلى الحفار ليحفر له، فجرى بينهما لجاج في أجرة الحفر، فمضى جحا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها، فسئل عنها فقال: إن الحفار لا يحفر بأقل من خمسة دراهم، وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير.وحكي: أن جحا تبخر يوماً فاحترقت ثيابه فغضب وقال: والله لا تبخرت إلا عرياناً.وهبت يوماً ريحٌ شديدةٌ فأقبل الناس يدعون الله ويتوبون، فصاح جحا: يا قوم، لا تعجلوا بالتوبة وإنما هي زوبعة وتسكن.وذكر أنه اجتمع على باب دار أبي جحا تراب كثير من هدم وغيره، فقال أبوه: الآن يلزمني الجيران برمي هذا التراب وأحتاج إلى مؤنة وما هو بالذي يصلح لضرب اللبن فما أدري ما أعمل به، فقال له جحا: إذا ذهب عنك هذا المقدار فليت شعري أي شيء تحسن?، فقال أبوه: فعلمنا أنت ما تصنع به. فقال: يحفر له آبار ونكبسه فيها.واشترى يوماً دقيقاً وحمله على حمال فهرب بالدقيق، فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه، فقيل له: ما لك فعلت كذا? فقال: أخاف أن يطلب مني كراه.
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 9
أخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
الصفحة : 10
ووجهه أبوه ليشتري رأساً مشوياً، فاشتراه وجلس في الطريق، فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه، وحمل باقيه إلى أبيه، فقال: ويحك ما هذا? فقال: هو الرأس الذي طلبته. قال: فأين عيناه? قال: كان أعمى. قال: فأين أذناه? قال: كان أصم. قال: فأين لسانه? قال: كان أخرس. قال: فأين دماغه? قال: فكان أقرع، قال: ويحك، رده وخذ بدله. قال: باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب.وحكي: أن جحا دفن دراهم في صحراء وجعل علامتها سحابة تظلها.ومات أبوه فقيل له: إذهب واشتر الكفن، فقال: أخاف أن أشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه.وحكي: أن المهدي أحضره ليمزح معه، فدعا بالنطع والسيف، فلما أقعد في النطع، قال للسياف: أنظر لا تصب محاجمي فإني قد احتجمت.ورأوه يوماً في السوق يعدوا فقالوا: ما شأنك? قال: هلا مرت بكم جارية رجل مخضوب اللحية? واجتاز يوماً بباب الجامع فقال: ما هذا? فقيل مسجد الجامع، فقال: رحم الله جامعاً ما أحسن ما بنى مسجده.ومر بقوم وفي كمه خوخ، فقال: من أخبرني بما ي كمي فله أكبر خوخةٍ، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم هذا إلا من أمه زانية.وسمع قائلاً يقول ما أحسن القمر، فقال: أي والله خاصة في الليل.وقال له رجل: أتحسن الحساب بإصبعك? قال: نعم، قال: خذ جريبين حنطة، فعقد الخنصر والبنصر، فقال له: خذ جريبين شعيراً فعقد السبابة والإبهام وأقام الوسطى فقال الرجل لم أقمت الوسطى، قال: لئلا يختلط الحنطة بالشعير.ومر يوماً بصبيان يلعبون ببازي ميت، فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت، فقالت أمه: ويحك ما تصنع به وهو ميت? فقال لها: أسكتي فلو كان حياً ما طمعت في شرائه بمائة درهم.وخرج أبوخ مرة إلى مكة فقال له عند وداعه:بالله لا تطل غيبتك واجتهد أن تكون عندنا في العيد لأجل الأضحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق